الجمعة، 22 أبريل 2011

عيد ميلاد

مدخل: في عيد ميلادك قال برجك .. أنت إنسان عاطفي .. حساس إلى حد لا يطاق.. طبيعتك الهوائية تجعل علاقتك مع المحيط كعلاقة الرماد بالرياح.. الطرف الآخر لا يزال ينتظر إشارتك، أوضاعك المادية ليست على ما يرام .. واجه مشاكلك بشجاعة فالنصر حليفك.

النص:

كذب المنجمون ولو صدقوا .. كلمة قلتها وأنت تنهي قراءة طالعك في إحدى الجرائد اليومية.. كذبوا أو صدقوا.. لا يهم.. كل ما قاله الحظ صحيح فلا مفر من تصديقه.. افعلها اليوم فقط فهو يوم مميز.. أنت الآن بصدد إحياء عيد ميلادك.. لأول مرة تتذكره وينساه النسيان.. المرارة كانت تطبع معظم أوقاتك.. لذا فأنت الآن تعيش على أمل أن يكون هذا اليوم مختلفا، كيف لا وهو اليوم الذي رأيت فيه النور لأول مرة.. أنت لم تمسك بالزمان فحسب بل تمكنت من المكان أيضا… تعود بعد سنوات من الهجر إلى مسقط رأسك " إيساغيثن " حيث تناكحت التضاريس مع ذرات المطر لتحبل بقلب أخضر لقرية "مركوندة" التي تنام منذ زمن طويل في هذه المكان، يحرسها جبلي "الرفاعة" و"بوغيول" .. بطريقة ما أنت الآن هنا.. في المكان الذي أيقظته صرختك الأولى من نوم عميق قبل عقدين من الزمن .. المكان والزمان يتحدان، يعيدان تشكيلك من جديد.. " إيساغيثن " الكلمة الشاوية التي تعني شجرة اللوز البري، تلتحف بساطا أخضرا، هو المكان الذي يحتضنك الآن بعد أن احتضنك وأنت طفل صغير، ترابه يحن إلى رائحتك .. الأشجار، الأودية، الأحجار.. كل شيء يود أن يضمك.. ، الزمان مساء خريفي مكفهر، الضباب يكسوا قمم الجبال، السحب الداكنة السواد تشكل تقاسيم وجه السماء والرياح تسافر في الخلاء مصفرة، تلهو بأوراق الخريف المتناثرة هنا وهناك … في جعبتك شموع بتعداد سنوات عمرك وأوراق وقلم أسود… بيتك كوخ صغير أضحى أطلالا ترثي ذكريات بدأت تتطفل وتطفو على ذاكرتك … هو ذا بيتك قبل أعوام، تسكنه الآن الثعابين والعقارب وهوام الكائنات ويسكنه السكون أيضا.. المساء بدأ ينقرض، الشمس لم تشرق اليوم أو ربما أشرقت وسلكت طريقا آخر.. السحب لا تزال تشكل حاجزها المزيف.. تمنع النور الذي بدأ الظلام يراوده .. المساء يلقي ظلاله المخيفة على قرية خاوية على عروشها إلا من قلب واحد ينبض هو قلبك .. هنا بدأت نبضاته الأولى.. أمك حكت الكثير عن تلك الليلة.. جاءها المخاض في ساعة متأخرة .. لا مستشفى ولا ممرضات.. أبوك كان غائبا وأنت كنت الثمرة الأولى في الأسرة.. بين أربعة جدران.. أمك مستلقية في مكان ما.. الألم يتنقل بين ضلوعها كأرجوحة طفل صغير تروح وتجئ، الظلام العائم يجتاح المكان.. لا كهرباء ولا مدفأة.. حتى الفانوس ذهبت الرياح بنوره وبقيت جمرات تتلألأ في التنور وتبعث بدفء لا يلبث أن يستحيل إلى برودة بعد ابتعاده عن الرماد.. الألم يشتد في أضلعها، وأنينها يتجاوز حدود المكان .. الرياح تعصف في الخارج، البرق بدأ يشكل إمضاءاته على صفحة السماء.. أمك تتألم وأنت تسبح في بحر لجي.. تستجمع قوتك.. تبحث عن منفذ لتخرج إلى أقطار السماوات والأرض.. أنت قارة تسبح في محيط هائج.. منذ أشهر كان هادئا.. الآن سيقذف بك إلى أكوان أخرى.. أمك تبدأ في الصراخ.. الجيران يهرعون لاستطلاع الأمر .. أحدهم يذهب لإحضار ( نانا حاجوزة) قابلة القرية… تأتي مسرعة، تحمل شبه حقيبة فيها عظام حيوانات.. أعشاب وجذور نباتات.. (نانا حاجوزة) تتفوه بكلمات لا تفهمها.. أمك تمسك بحبل يتدلى من السقف الذي يشكله جريد النخل وحطب العرعار ومغطى بلفافة بلاستيكية عليها أطنان من التراب.. الألم يشتد، الرعود في الخارج تقصف ووميض البرق صار يضيء الدنيا.

( نانا حاجوزة) لا تلبث أن تتجه إلى كوة تطل على الطبيعة ثم تعود وهي تردد.. سيدي عبد القادر .. سيدي عقبة..؟ ! سيدي.. أنت تعلن الحرب على المكان.. سئمت من السباحة في بحيرة تتجاوز حجمك بقليل.. يزداد ضغطك.. الألم يهزم ما تبقى من مواقع المقاومة في جسد أمك.. الصراخ يملئ القرية لكن لا أحد يسمعه.. الطبيعة لا تزال غاضبة.. الأمطار الرعدية تملأ كل شيء بالماء.

( نانا حاجوزة) قالت وهي تلهث.. لا بد أن قربة قد انفجرت في السماء.. الألم يزداد حدة.. أمك تتشبث بالحبل بكامل قواها وتطلق صرخة رددتها الجبال رغم صخب الطبيعة، وتجذب الحبل فإذا بالسقف ينهد ليتحول إلى ركام يغطي أنفاسا خافتة..

تتسلل أنت من تحت الردم … تبكي … هكذا ولدت باكيا لتبقى شاكيا إلى الأبد.. تبحث عن شيء.. يهرع القوم لإنقاذك من تحت الأنقاض.. تتبلل بماء المطر، يغسلك وأنت عاري الجسم، ضيف يطأ الدنيا لأول مرة … تحس بنشوة الحياة تسري في جسدك … ( نانا حاجوزة) فارقت الحياة لتهبك إياها، بينما بقيت أمك بين الحياة والموت.. تقاوم كما دأبت أن تفعل .. تريد أن تراك ذات يوم رجلا.. ومن أجل ذلك هزمت الموت وعاشت طويلا.. أنت الآن رجل.. لم تكن كذلك يوم ولدتك أمك، وقبل ذلك كنت رغبة في أعماق النفس البشرية، وفي لحظة ما قالت الفطرة كلمتها فكنت مخلوقا ضعيفا لا يقوى على شيء.

تتوقف عن استنطاق المكان.. الزمان يتجاوزك الآن.. الليل يمضي كقطار يأبى التوقف.. ظلامه يتسلل إلى أبسط جزيئة في كيانك.. المكان موحش .. لكن شعورك يملؤه الأنس.. تخرج الشموع من جعبتك تضع في كل ركن شمعة والباقي على الرفوف.. توقدها جميعا فينتشر النور في الخراب لتصبح أطلال بيتك كنجمة مضيئة.. يسود الصمت بعد أن هدأت الرياح وراح النسيم يداعب لهب الشموع فيطفئها واحدة بعد أخرى، إلى أن بقيت شمعة واحدة اقتربت منها وأخرجت أوراقك والقلم الأسود ورحت تكتب..

التسميات:

1 تعليقات:

في الأحد, فبراير 26, 2012 , Anonymous غير معرف يقول...

هناك اسماء وجدت لتبقى ، ومنها اسم نانا مسعودة نانا برجية نانا حاجوزة ، لقد ولدت بطريقة عجيبة يارجل والفضل يعود لهاته الاسماء . فرحات بن يزه

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية