الأحد، 24 أبريل 2011

دمعة


عاد الوثن.. البارحة كان الغسق يستدرج الليل إلى أحضان الطبيعة، وكنت أسافر مع أم كلثوم إلى سرير الحبيبة.. " يا حبيبي كل شيء بقضاء، ما خلقنا لنكون تعساء ".. أستحضرها، ويملأ طيفها سماء الغرفة الأرجوانية.. لم أكن وحدي، فالأسطوانة الرمادية تجعلني ثنائية غارقة في أحلام لا تنتهي.. فجأة دق الباب دقتين.. واحدة رومانسية والأخرى تصم الآذان.. بسم الله الرحمان الرحيم.. اللهم اجعله خيرا.. وتعود ذاكرتي إلى سنوات الرعب.. لا نافذة في غرفتي.. الفرار، أول فكرة اخترقت الصمت وداعبت خيالي.. كيف؟.. لا سبيل.. لا.. لا.. لاتخف، لقد مضى عهد الخوف.. بصعوبة أتقيأ كلمات ترتجف..

- من الطارق؟..

- أنا يا يوسف، أما عرفتني؟..

بدا الصوت غريبا..

- ومن أنت؟..

- أنا صديقك الوثن.. لقد عدت..

- صديقي الوثن.. أهلا وسهلا يا مرحبا.. يا مرحبا..

قفزت من السرير والفرحة تطير بي باتجاه الباب، وفي لمح البصر أدرت الدفة وإذا أنا في أحضان صديقي الوثن..

- حقا، أنت وفي..

كنت أقبله بلهفة الحبيب إلى حبيبه، لكنه كان يرتجف وعرقه يسيل وديانا تخترق تجاعيد وجهه..

ماذا دهاك؟.. ما الخطب؟.. لم يتكلم.. كررت السؤال ثم أردفت.. آه.. عدت إلى عادتك القديمة، وكان جوابه دمعة تسللت بين رموش عينيه ثم تمتم..

أدركه يا يوسف.. إنه ينشطر.. لم أفهم شيئا.. ينشطر.. من هو؟.. يجيب وقد صار صوته أكثر وضوحا.. الوطن.. يا يوسف.. الوطن.. وسكت الوثن..

خارج الزمن كانت قطرة تحاكم البحر، قالت أيها المغرور.. أنا من يصنع مجدك.. أنا من ينبض بقلبك..

وفي المحكمة اصطفت الكراسي وراح القاضي يفتش عن أوراقه.. وفي الخارج مدٌ لاينتهي من الأنفاس المكبوتة.. في ذلك اليوم قرأ الناس في الجرائد باستغراب.. قطرة تحاكم البحر في هذا اليوم.. قال القاضي ما خطبك يا آنسة؟.. لماذا تحاكمين أصلك؟.. فأجابت والغيظ يملأها.. لا يا سيدي.. أنا أصله.. قبل سنوات كنت ولم يكن.. كنت أصنع بهجة العيون وأعيد الوفاق بين الأحباب والعشاق وكان بروزي للشمس نادرا.. الآن هاهو يستهويني، يغريني بجبروته، يجبرني على مغادرة المآقي في كل مرة.. لقد تعبت يا سيدي.. أترابي وأقراني صاروا جزءا من هذا الجارف المهلك أما أنا فأقسمت أن لا أنضم إليهم.. كفى يا سيدي.. لقد صنعنا فرحة هذا الوطن قبل أربعة عقود والآن نصنع مآسيه.. سأعلنها ثورة من أجل أن تكف العيون عن ذرف الدموع.. من أجل أن تحل محلها نعمة السماء ويعود المطر ليعانق الثرى.. سيدي القاضي.. لقد قضي الأمر.. في هذه اللحظات استحال هدير البحر إلى خرير يحيي موات النفوس، وقفزت من خضمه ملايين العبرات تبحث عن سكن لها في مآقي الناس، أما القاضي فأمسك مطرقته وأعلن نهاية المحاكمة ثم هوى بها على رأسه ليسقط مغشيا عليه..

في اليوم الموالي كتبت الصحف.. دمعة وثن تعيد الوئام للوطن

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية