الأحد، 24 أبريل 2011

حب إلكتروني


مدخل: عندما استحالت شاشة الكمبيوتر التي أمامي إلى مرآة، صرت أبصر الفراغ الذي كان يعلو رقبتي.

النص: بين الوعي واللاوعي॥ الوجود واللاوجود.. بين برزخ اليقظة وبرزخ النوم.. في برزخ الحلم.. كنت أسبح في الأجواء طائرا بجناحين.. جناح يمتد من كتفي الأيمن إلى اللامنتهى.. وجناح هو ضلعي الأيسر المفقود.. وكان الحلم سرمديا.. طائر قادم من الحياة إلى الحياة.. بمنقاره يُقبل القلوب البلاستيكية العائمة في الفراغ فتنفجر محدثة ضوضاء في الكون الفسيح.. هكذا هي القلوب الرقيقة.. تنفجر لمجرد قبلة طائر قادم من الحياة إلى الحياة.. وتحدث ضوضاء في الكون الفسيح.. إنها لحظة مهربة من زمن عشاق الآفاق.. قديما كانت جدتي تقول.. حتى الأبالسة يتحابون كما أن الملائكة يتحابون.. وكان الحلم عبثا.. لا يحدث حتى في الأحلام.. على بعد متر من سريري حيث كنت أغفو في ظهيرة صيفية تلفح الوجوه، كان صديقي الوثن جالسا أمام شاشة الكمبيوتر.. يقوم بحركات آلية ثم يصيح بين الحين والحين.. لعنة الله عليكم.. أحيانا تغمره البهجة.. أحيانا يشتعل غضبا.. وبين أحلامي وأحلامه مسافة طويلة من الإزعاج المتبادل..


الحب المتبادل.. نعم لقد أحببته.. بصمته.. بنطقه النادر.. بكلماته القليلة.. بشكله المنحوت من حجر الصوان.. كان وثنا من القرون الغابرة.. لكنه يستعمل الإنترنت أحسن مني.. في لحظة ما استحال الوثن الصامت المتحجر إلى حسون طار يغرد في أرجاء الغرفة، بلا جناحين.. كالمجنون يقْلب عالي الغرفة سافلها.. من شدة غضبه.. أو فرحه.. لست أدري.. دائما كانت البرزخية تلازمني.. بعتمتها.. بضبابيتها الواضحة.. وكان الوثن برزخيا أيضا.. اسمع.. ماذا دهاك؟.. ناديته بعد أن انتشلني من زخم القلوب المتفجرة في الأجواء العالية.. لم يجبني.. وواصل ثورته.. اعتقدت في لحظة ما أنه فقد الإتصال بالشبكة ولعنت في سري هذه الآلات العجيبة.. لكنه نطق أخيرا.. اقتلعني بيديه من سريري.. هيا.. تعال.. انظر.. إنها هنا.. لقد ردت على رسائلي.. اقرأ من فضلك.. واصل القراءة.. تمعن جيدا.. وكاد أن يصمت من شدة الكلام.. كنت أرنو كمن استلبته اللحظة.. لم أفهم شيئا، لكنني فهمت كل شيء لما امتلأ وجه الشاشة بصورة مكبرة لحسناء قادمة من الشرق.. إنها صورتها يا صديقي.. إنها هي.. لقد عادت.. غادرتني يا صديقي منذ مئات السنين.. خلتها في يوم ما من المأسوف عليهم.. لكنها الآن أمامي.. انظر.. كم هي جميلة..

لم تعكر السنون صفاء وجنتيها.. شفتاها يا صديقي.. كنت أجني الشهد منهما في مواسم العشق المحرم.. شكرا لك يا آلهة الحاسوب.. شكرا لك .. قالها الوثن وانحنى ليُقبل شيئا ما تحت طاولة الكمبيوتر.. لم أكن في حاجة لتفسير كل ذلك.. فقط كلمتان تلفظت بهما ولست أدري إن كان سمعهما أم لا؟.. لكل زمن وسائله يا صديقي.. كان عنتر يهدم الأسوار ويقاتل قبائل بكاملها ليلتقي عبلة، وكان قيس يُسَخر الحمام الزاجل ليبعث بأشواقه إلى ليلى و كان روميو يقتفي آثار جولييت إلى الكنيسة.. وأنت.. أيها الوثن القادم من أدغال التاريخ.. كنت مجرد صنم وصرت الآن تحيا بروح العصر.. تحب عبر البريد الإلكتروني.. كنت أتكلم وصورة القلوب المتفجرة تملأ أفقي..

في لمح البصر صرت أرى صورة حبيبة الوثن في إطار معلقة على الحائط.. فقلت سبحان الله.. إنه زمن الحب الإلكتروني..

1999

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية