الأحد، 24 أبريل 2011

دوامة العدم


قلت مرة للحياة :" أود لو أسمع الموت متكلما .. فرفعت الحياة صوتها قليلا و قالت : إنك تسمعه الآن"
ـــــ جبران خليل جبران

..أبت أن تستسلم.. تأتي إلى هذا المكان كل مساء أين كنتما تلتقيان، تحمل زنابق بيضاء. . تجلس حيث كانت تجلس، على صخرة، تحت شجرة تعانقت أغصانها وراحت تلامس عنان السماء. . يقابلها البحر هادرا كعادته. . تأتي أمواجه من بعيد. .

تتراءى كجبال هائجة تريد أن تلتقم الوجود. . وتصل بصوتها المخيف لتتحطم على صخرة صغيرة كانت أسفل الشاطئ، ثم تعود أدراجها مياها تصدر خريرا يحيي موات النفوس. . قالوا عنها مجنونة. . رموها بكل الأوصاف. . لكنها بقيت وفية لعادتها. . تأتي إلى هذا المكان كل مساء إحياء لذكراك. . تسترجع أحلى اللحظات التي جمعتكما هنا تستأنس بزرقة البحر. . تناديك من أعماقها، تعانق روحها روحك، تبعث إليك

. بتقاسيم الزمان والمكان. . تستجديك أن تأتي، وكان عليك أن تجيب النداء. كانت تعلم أنك ستأتي حتى من عالم الأرواح. . أنت الآن راقد في مكان مامن هذه الأرض. . قالوا إنك مت بطريقة تثير الاشمئزاز في النفوس. . لم تكن إلا رقما صغيرا في عدد كبير، لايزال يكبر بعمق الجرح الذي ينزف كل يوم. وكان عليك أن تستجيب لندائها الذي يملأ السموات والأرض. . تتلبد السماء ! فجأة. . يلمع البرق، يقصف الرعد. . ، تنزل صاعقة من السماء تضيء الكون تغوص حتى الأرض السابعة. . تتحرك ذرات من مختلف بقاع الأرض، تتجمع، تميد

الأرض بمن عليها. . تتحرك لأول مرة بعد سنوات من السكون، تشعر بتيار كهربائي يسري في جسدك. . جسدك تراب يملأ بقاع الأرض. . تلم شتاتك، تستجمع الرميم ليصير عظاما. . الروح تسري في قدميك، تصعد إلى أنفك، تتنفس هواء كأنك تشرب

الكحول الذي لم تذقه في حياتك. . تعطس، تحمد الله. . التيار الكهربائي يزداد شدة. . تصعد الروح إلى عينيك. . لا ترى شيئا. . عيناك ملآى بالتراب أنت الآن آدم هذا الزمان. . تشهد المراحل الأولى للخلق. . تزيح أطنان التراب عن جسدك. . تنهض من رقادك. . تحس بآلام تغزو جسدك. . تستقيم واقفا، عاريا كما ولدتك أمك، أنت الآن في حالة طوارئ. . ماذا يحدث لو رآك أحدهم بهذا المنظر.؟ . يمر عدد من الناس بالمكان. . لا أحد تفطن لوجودك. . تعتريك رغبة في مناداتهم ليعيروك ملابسا تستر عورتك، تفعل. . ، لا أحد ينتبه لندائك. . ترفع صوتك. . الجبال تردد معك. . تحس بالوحدة. . تصرخ مرة أخرى لا أحد يسمعك. . وتتحطم الأمواج العاتية على صخرة صغيرة كانت أسفل الشاطئ يمضون في طريقهم. . تتحرك. . يمينا ثم شمالا، تبحث عن قشة تلفها حول خصرك. . لا شيء في هذا المكان المقفر. . ، تتبين أنك في واد عميق. . تسمع صوتا. . اسمع. . يا أنت. . قف. . ارفع يديك. . تحس بخوف شديد يسري في ةجسدك. . لابد أنهم اكتشفوا أمرك. . ترفع يديك، تنتظر،. . لا أحد يقترب منك. . تنزل يديك. . تختبئ وراء جذع شجرة. . يمر شخصان بقربك. . يجريان تتبع خطواتهما. . يزداد خوفك. . يشهران أسلحتهما في وجه أحد الرعاة الذي كان مطمئنا إلى أغنامه. .

تدرك أن الأمر لا يعنيك. . وتتحطم الأمواج العاتية على صخرة صغيرة كانت أسفل الشاطئ. . تصعد المنحدر بصعوبة. .
الآلام تنهش مفاصل جسدك. . تحس بالعطش. . تجد ساقية يملأها الماء الزلال. . تجلس لتشرب. . تظهر صورتك واضحة على وجه الماء. . تخجل من نفسك . . ما أكثر مواضع القبح في جسدك.. مرة أخرى تبحث عن شيء يسترك، تتجه إلى الشاطئ. . البحر يتراءى لك من بعيد هائجا كعادته، تحس بدفء يغزو جسدك. . تخال البحر يحترق، تزداد دقات قلبك. . تسمع ضجيجا يقترب أصوات نسائية ممزوجة بصراخ الأطفال. . الضجيج في طريقه إليك. . تبحث عن مكان تختبئ فيه، تدرك مدى غربتك عن المكان. . تقف متسمرا في مكانك. وتتحطم الأمواج العاتية على صخرة صغيرة كانت أسفل الشاطئ. . يمر موكب النسوة، يحملن قربا وأواني لجلب الماء. . تتنصت على حديثهن. . المجنونة. . لاتزال في مكانها تنتظر العدم ليأتي إليها. . تضخك في نفسك وتفهم أنها في المكان تنتظرك. . تتعجب. . كيف لم يستطعن رؤيتك وقد مررن أمامك.؟ . لابد أنك لا مرئي. . تواصل طريقك. . تجد شجرة تين باسقة وارفة الضلال، تنزع أوراقا، تضمها إلى بعضها البعض، تستر بها عورتك، تخطو بضع خطوات. .

تسمع وقع أقدام تقترب. . تعتريك الدهشة مرة أخرى، تبحث عن مخبإ فلا تجد،. . أنت الآن وجها . لوجه مع رجل يركب دابته. . تتوقف. . تحاول أن تفعل شيئا. . لا تستطيع تشعر أن الدابة قد رأتك. . تتوقف وقد انتصبت أذناها. . تصدر صوتا مخيفا تتيقن أن أمرك قد كشفته الدابة. . يصعد الدم بكثافة إلى وجهك. . يسيطر الخوف على كيانك. . تقفز الدابة في حركات عشوائية، يسقط الراكب وتولي هي هاربة. . يعود إليك الهدوء، وتتحطم الأمواج العاتية على صخرة صغيرة كانت أسفل الشاطئ. . البحر يتحفز للهجوم مرة أخرى. . تقترب من مكان اللقاء يتراءى لك شبحها من بعيد تستقبل البحر موجهة ظهرها إليك. . منظرها يوقظ . فيك ذكريات. . الآن تبدأ ذاكرتك في استعادة الماضي. .
تتذكراخوتك وعائلتك . كنت دائما تشعر أنهم معك. . لكنك لم تكن تلتقيهم. . تتذكر آخر مرة . رأيتهم. . كنتم نائمين. . فجأة يدق الباب بعنف. . الخوف يسيطر عليكم. . تسمعون انفجارا هائلا أعقبه تسلل عدد من المسلحين إلى البيت. . تتفرقون . . تحاول الفرار، تحمل بندقيتك، تدافع ببسالة. . تقتل واحدا. . إثنان . ثلاثة تحس بقطعة نحاسية تخترق جسدك. . الألم يشل حركتك. . تنزوي في ركن مظلم. . تسمع صراخ إخوتك الواحد بعد الآخر. . ثم يسود الصمت. .

تبصر ضوءا ينتقل بين أرجاء الغرفة. . تقترب نهايتك. . يجرك من قدميك. . تسمع حوارا بين عدد لا يحصى من الأصوات. . ثم تصم آذانك. . أنت الآن في طريقك . لملاقاتها بعد جفاء دام سنين طويلة. . تتقدم ببطئ. . تضع يدك على كتفها . لا تلتفت. . ترفع يدها وتضعها على يدك. . البحر لايزال غاضبا. . تحول بينها وبين البحر. . ترفع عينيها. . ينفطر قلبك لمنظرها. . تهديك زنابق بيضاء. . تتأسف في داخلك. .
تركز نظرها في وجهك غير مصدقة. . ينهمر الدمع. سكيبا يملأ مقلتيها. . تمد ذراعيها إليك. . تحضنها بعنف. . تتعانقان . تبكيان طويلا. . تسمع وشوشة في الغابة المقابلة. . تنتبه. . بينما تبقى هي متشبثة بعنقك. . تحاول تركها لتستطلع الأمر. . تعود الذكريات الأليمة لتستوطن ذاكرتك. . تحس بجروح عميقة. . ساقاك تنزفان. . يجرك أحدهم بملئ قوته. . تهرع هي لإنقاذك، يصفعها فتقع مغمى عليها. . تنزع يدهاعنك بقوة، . تستدير. . أنتما الآن محاصران يحيط بكماعدد من المسلحين. . يشهرون أسلحتهم . . تنتبه إلى أن عددا من الفوهات موجه إليك. . أنت مرئي في هذه اللحظات . . يقترب منك اثنان. . يربطان يداك إلى الخلف. . يتقدم منها كبيرهم.. يمسكها من شعرها. . يضحك مقهقها. . أنظروا إلى ذلك الجمال. . أين هو؟ يصفعها. . يتحرش بها. . تحاول أن تفعل شيئا. . لا تستطيع. . يمسك بك أحدهم. . يطرحك أرضا. . يستل خنجره. . تتذكر آخر مرة رأيت فيها ذلك الخنجر .. كان يمرح ذهابا وجيئة في رقبتك. . يغيب عنك وعيك. . وتأتي أمواج البحر غاضبة لتطغى على اليابسة وتملأ الدنيا ماء ودمارا.

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية