الأحد، 24 أبريل 2011

شظايا الأعماق



قال الوثن.. وكنت أمشي في الشارع.. أحث الخطى.. في شارع الشهداء وقف واحد من بني جنسي ألقيت عليه السلام فمارد.. أعدت الكرة فتمرد الصمت على شفتيه وقال.. أي سلام يا بن العم أما ترى ما حصل في بلادي.. بالأمس.. اجتاح الجراد هذا الشارع فأحاله إلى يباب.. هبت رياح يأجوج وماجوج والتهمت الوطن.. أي سلام يا ابن العم.. أنا وثن.. منذ عشرات السنين في هذا المكان ألبس روح الشهيد.. تلبسني روح الشهيد.. أنا الشهيد يا ابن العم.. قتلوني منذ سنوات وهاهم الآن بمعاولهم يحاولون هدمي.. بالأمس هبت رياح يأجوج ومأجوج والتهمت الوطن.. لا مأوى.. لا سكن.. في شارع الشهداء شهيد في صورة وثن.. وقف في الناس يخطب قال.. هذا الزمان زمانكم.. هذا المكان مكانكم.. هذه الروح التي تسري في جسدي هي إرادتكم.. هيا هبوا لنجدة الوطن.. هبوا.. هكذا قال الوثن.. فاستحالت كلماته إلى أشواك راحت تغرز في الضمائر النائمة.. وجاء الطوفان من أقصى المدينة.. لقد مروا من هنا يا ابن العم.. فراحت أرواح شارع الشهداء تحييهم.. توزع النياشين على صدور الثائرين.. وكان الجراد الأصفر يصنع الخراب أينما حل.. أتفهم ما معنى أن تتحول أرواح شارع الشهداء إلى جراد يلتهم الأخضر واليابس؟.. أتفهم ما معنى أن تنفجر أفئدة المقهورين وتتحرر الخناجر من قبضة السكاكين لتصدح بتراتيل الفداء.. انفجارات يا ابن العم.. هنا وهناك.. في أتون الوعي واللاوعي وشظايا تنبعث من الأعماق كالسهام ترجو اختراق الآفاق..

شظية أولى:

أمسكوا به من أذنيه.. اقتادوه إلى مكان خال.. وضعوا السكين على رقبته وقالوا.. من ينقذك منا الآن..؟ اضطربت السكين.. جحظت عيناه.. انتفض لسانه.. لا.. لا.. لا تفعلوها.. لكنهم فعلوها.. ذبحوا الوطن يا ابن العم.

شظية ثانية:

كانا معا.. يجمعهما المكان ولا يفرقهما الزمان.. ولد وبنت، يحلمان بغد مشرق.. بعرس يحيلهما إلى جسد واحد في التحام أبدي لا انفصال بعده.. وكانت الأحلام عصافير تحلق في الأجواء.. أما على الأرض فتحدث الناس عن عاشقين صغيرين قضيا تحت زحمة الجراد الأصفر المنتفض.. وقالوا أيضا.. كان الحب يصنع سعادتهما.. واأسفاه.

شظية ثالثة:

حكت لي جدتي قصة قالت.. تحاورت الحياة والموت يوما وكان الحوار صراعا من أجل فرض الذات.. قال الموت أنا هازم اللذات، أنا من يسلب الحياة.. فردت الحياة.. وأنا من يصنع الوجود السعيد من دموع المنتحبين أنا من تقتات من أكفان الأموات.. وعندما زحف الجراد الأصفر غنت الحياة والموت أنشودة البقاء والفناء.. وسكت الوثن، بينما جادت عيناه بسيل من الدموع العذبة كعذوبة الملح الأجاج.

1999

التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية