الأحد، 24 أبريل 2011

وفي ومخلصة



قال الوثن.. ورحت أشق التلال والوهاد.. أمخر عباب البحر، أطوي الفيافي طيا.. أبحث عن طيفها الذي سكن ذاكرتي منذ مئات السنين.. كان عليّ أن أدخل عوالم الجن والكائنات المتحولة بعد أن طفت بالأرض وباقي كواكب السماء.. حسدونا يا صديقي.. أمطرونا بسهامهم المسمومة.. قالوا.. محال أن تعشق الشمس القمر.. محال أن يستحيل المحاق إلى بدر.. محال أن يصير المحال حقيقة.. وكانت الشمس تهوى القمر.. وكان القمر يحيا بنورها.. ألم يقل العلماء إن ضوء القمر ماهو إلا انعكاس لضوء الشمس.. تخيل يا صديقي لو أن القمر احتفظ بنور الشمس لنفسه.. كيف ستكون ليالي العشاق..؟ تخيل يا صديقي لو أن القمر أخفى وجهه عن الكون.. هكذا يريده الخفافيش أن يفعل..
لكن القمر يحب الشمس.. يغازلها من الغسق.. إلى تباشير الصبح.. يختلي بها في أرجاء الكون الفسيح، يحرصهما الإله وملائكة الرحمة.. هذان العاشقان يا صديقي في الآفاق يجسدان رغبة الإله.. إنه الحب.. يقولون وراء كل رجل عظيم امرأة.. أنا يا صديقي لم أر مثل هذا الحب الأبدي.. يلتقيان منذ الأزل يراقبان الطبيعة.. يسخران من عبث الأقدار.. ثابتان لا يشوبهما التغيير.. هذا القمر يحب تلك الشمس.. أي معنى للوفاء أصدق من هذا..؟ آه يا صديقي.. لو رأيته يعانقها لأدركت عظمة الخالق.. ذات يوم.. اشتاق لرؤيتها بعد شتاء من الغيوم والكدر..
ولما انجلت عن الدنيا سحابات العتمة قفز القمر من مداره وارتمى في حضنها.. عانقها طويلا.. ضمها إلى صدره.. قبلها حتى استحالت أنفاسها إلى لهيب يلفح الوجود.. أتدري ماذا حصل.. غابت الشمس عن الدنيا.. امتص القمر كامل إشعاعها.. بقبلة واحدة.. إنه الحب يا صديقي.. وهؤلاء الجبناء يسمونه كسوفا.. لم يجرؤ أحد أن يقول إن القمر يحب الشمس.. أحيانا.. يعانقها.. لا أحد، لأن الحسد يمنعهم.. وراء كل قمر عظيم يا صديقي شمس عظيمة، تمنحه الدفء في الفراغ الكوني البارد.. تمنحه الحنان في الأرجاء الفسيحة الموحشة.. وتمنحه النور الذي يهديه إلى عشاق الأرض.. إلى تلك القلوب المتعلقة ببعضها البعض.. هذا القمر يا صديقي.. وفي لحبيبته.. يدور حول الأرض، لكنه يعشق الشمس.. بنورها يحيا من أجلها.. هناك في الآفاق.. لا أحد يزعجهما.. يتسامران ليلا لينام القمر نهارا.. لا يا صديقي.. إنه لا ينام.. بل يختفي خجلا من نورها العظيم.. رأيته يعانقها ذات يوم في وضح النهار..
عندها أظلمت الدنيا وقال الناس.. لقد انكسفت الشمس.. هذه الشمس يا صديقي مخلصة لحبيبها، تغيب عنا ولا تغيب عنه، تبتعد عنا شتاء لتقترب منه.. تقترب منا صيفا لتقترب منه.. هذه المخلصة يا صديقي تحب ذاك الوفي.. إنها سنة كونية نادرة ترسم معاني الحب.. فما أتعسكم يا طواحين الخبث والهوى الفاسق.. أمامكم أمثلة لا تحصى وأنتم تمارسون الخيانة بسبق الإصرار والترصد.. ولم يصمت الوثن حتى نهرته بعنف.. كفى.. كفى.. يا صديقي ما عدت أقدر على مقاومة كلماتك.. وسكت الوثن..


التسميات:

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية